(الشرق الأوسط)
رغم المخاوف التي تسيطر على كافة محاور الاقتصاد البريطاني استباقا لاستفتاء مزمع حول الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي بعد نحو شهرين من الآن، ما تزال أسعار العقارات البريطانية تغرد خارج سرب «المعقول»، لتظل في سيناريو الارتفاع الجنوني غير المبرر، والخارج عن كافة التوقعات.
وارتفعت أسعار المنازل البريطانية في مارس (آذار) الماضي، بأسرع وتيرة في سبعة أشهر، بعد نمو الأسعار على أساس سنوي لأول مرة منذ منتصف عام 2014. حيث ارتفعت أسعار المنازل بنحو 2.6 في المائة في مارس، بعد انخفاض قدره 1.5 في فبراير (شباط) الماضي، لتتجاوز توقعات مؤسسة «رويترز» بزيادة قدرها 0.7 في المائة.
وارتفعت أسعار المنازل بنحو 10.1 في المائة في الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس الماضي على أساس سنوي، وهي أكبر زيادة منذ يوليو (تموز) عام 2014. ويشير المحللون إلى أن هناك خللا حادا بين العرض والطلب بالسوق البريطانية، وهو نتيجة لارتفاع الأسعار بهذا الشكل.
وفي حين سجل قطاع البناء في بريطانيا تراجعا طفيفا في فبراير الماضي، لكن وتيرة بناء المنازل الجديدة سجلت رقما قياسيا بما ساعد على نمو إجمالي إنتاج القطاع في ثلاثة أشهر بأعلى وتيرة له في نحو عام.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، إن إنتاج قطاع البناء الذي يشكل ستة في المائة من الاقتصاد، هبط بنحو0.3 في المائة على أساس شهري في فبراير، لكنه واصل النمو على أساس سنوي، ليرتفع بنحو 0.3 في المائة - بما يقل قليلا عن التوقعات التي جاءت في استطلاع سابق لـ«رويترز».
وعلى عكس ما أظهره مسح أجرته مؤسسة «ماركت» المتخصصة في جمع البيانات، لا تظهر البيانات الرسمية التي نشرت الجمعة الماضية، إشارات تذكر على تضرر قطاع البناء جراء المخاوف من الاستفتاء الذي سيجرى في يونيو (حزيران) المقبل بخصوص عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، أو تلك التي تتصل بزيادة الضرائب على ملاك العقارات.
وذكر مكتب الإحصاءات في بيانه الصادر الجمعة الماضية، أن إنتاج القطاع في ثلاثة أشهر حتى فبراير الماضي ارتفع بنحو 1.5 في المائة، مقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة، مسجلا أعلى وتيرة للنمو منذ مارس 2015.
وأضاف البيان، أن إنتاج القطاع وجد دعما في المستوى القياسي لبناء المنازل، الذي زاد بنسبة 6.8 في المائة في ثلاثة أشهر حتى فبراير، مسجلا أعلى وتيرة للنمو في نحو عامين.
وقال هاورد آرتشر، الخبير الاقتصادي في «آي إتش إس غلوبال إنسايت» في تصريح له، إنه على الرغم من تراجع قطاع البناء للشهر الثاني على التوالي، فإنه لا يزال يبدو أن بناء المنازل الجديدة شهد بعض النمو في الربع الأول من عام 2016.
وما زال من الصعب تقدير النمو في قطاع البناء، خاصة مع استطلاعات مديري المشتريات وبنك إنجلترا الإقليمي التي بعثت على التشاؤم بشأن القطاع في الفترة المقبلة، خاصة مع بداية غير واضحة المعالم للعام الحالي.
وأظهر مسح مديري مشتريات البناء أن بناء قطاع البناء تباطأ في مارس لأضعف وتيرة منذ أكثر من 3 سنوات.
في حين حذر المعهد الملكي للمساحين القانونيين أن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد بدأ في التأثير على نشاط مناطق معينة بالمملكة المتحدة، بما فيها تلك المتعلقة بالنفقات الرأسمالية والعقارات التجارية، وأظهر أحدث اجتماع لتحديد سعر الفائدة أن صناع السياسة المالية أنفسهم يؤكدون على «ضبابية ما قبل الاستفتاء»، مع تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الأشهر القليلة المقبلة.
وأضاف صموئيل تموب، الخبير الاقتصادي في تصريح سابق، أن هناك مزيدا من العواقب التي قد تضر قطاع البناء بتراجع العمل الصناعي الخاص الجديد بنحو 9.6 في المائة، وانخفاض العمل التجاري الخاص بنحو 0.6 في المائة.
ويوضح تموب أن الضغط المالي يعد مسؤولا بشكل أساسي عن مشاكل القطاع، والمتمثلة بشكل أساسي في المباني العامة والبنية التحتية، التي تمثل نحو 40 في المائة من القطاع، لينخفض كلاهما بنحو 1.8 في المائة لتبقى نقطة مضيئة واحدة وهي بناء المساكن الخاصة.
وتأتي تلك التطورات متزامنة مع مخاوف من نوع آخر، تتصل باتساع الهوة بين قدرة السكان وأسعار المساكن، بحسب تقارير أخرى أشارت إليها «الشرق الأوسط» قبل أسبوعين.
وبحسب التقارير، فإن أزمة السكن لمحدودي الدخل اتسعت خاصة في جنوب بريطانيا، حيث ارتفعت أسعار المنازل بنحو متسارع مقارنة بالعام الماضي، لتتسع الفجوة بين متوسط أسعار المنازل ومتوسط الدخل للمحليين والمقيمين أيضا، مما يجعل من المملكة المتحدة واحدة من أكثر الدول اهتماما بالمساكن «الأكثر رفاهية»، على حساب الشرائح الأخرى، على مدار الثماني سنوات الماضية.
وبذلك، تنخفض قدرة تحمل تكاليف السكن بالنسبة للمواطنين والمقيمين للسنة الثالثة على التوالي، خاصة في المدن الجنوبية من المملكة المتحدة. وقال بنك «لويدز» في تقرير صدر منذ أسبوعين ونشرت نتائجه «الشرق الأوسط» في حينه، إن تكلفة السكن «اتسعت إلى أسوأ مستوى»، فوصلت الأسعار لهذه المستويات التي تماثل فترة قبيل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، عندما بلغت أسعار المنازل 7.2 أمثال متوسط الدخل.
وقال أندرو لايسون، الوسيط العقاري البريطاني، لـ«الشرق الأوسط» إن أسعار المنازل ارتفعت بشكل حاد أكثر من الأجور في السنوات الثلاث الماضية، وخصوصا في الجنوب، الأمر الذي رفع تكلفة شراء المنازل في غالبية مدن المملكة المتحدة.
ومما يؤكد دقة تحليل بنك لويدز أنه يقارن أسعار المنازل محليا، بمعدلات الدخل المحلية، مما أظهر أن أسوأ أسعار للمنازل ليست في العاصمة فقط، بل امتدت حتى الجنوب الشرقي.
وتصدرت مدينة أكسفورد القائمة من حيث الأسوأ أداء في تحليل البنك، بمتوسط أسعار وصل إلى 10.68 أمثال متوسط معدلات الدخل المحلية. في حين حلت ويشنستر بجنوب شرقي إنجلترا، وهي عاصمة مقاطعة هامبشاير، في المركز الثاني بنحو 10.54 أمثال، ولندن في المرتبة الثالثة بنحو 10.06 أمثال.
وأكد التقرير على أنه لم يعد هناك مدينة في جنوب إنجلترا إلا واجتازت فيها أسعار المنازل سبعة أمثال ونصف متوسط الدخل المحلي، في المتوسط.
أما كامبريدج وبرايتون وباث، فاقتربت الأسعار فيها إلى 10 أمثال متوسط الدخل المحلي في كل منها، في حين أنه في بريستول وساوثامبتون اقتربت الأسعار إلى ثمانية أمثال متوسط الدخل في كل منهما.
وأرجع التقرير تحليله لهذه الظاهرة إلى أن تراجع الأجور خلال الفترة الماضية، أفقد محدودي الدخل القدرة على تحمل تكاليف السكن، فارتفع متوسط السكن إلى 6.6 أمثال متوسط الدخل المحلي، من مستوى 6.2 في المائة العام الماضي.
وأشار تحليل لويدز إلى أن مدينة ديري في آيرلندا الشمالية تمتاز بـ«السكن المهيأ لمحدودي الدخل»، بنحو 3.81 أمثال متوسط الدخل المحلي، وقال البنك إن هذا المعدل كان هو السائد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بالنسبة لمقترضي الرهن العقاري في إنجلترا، بثلاث أو أربع أمثال دخلهم.
وأوضح البنك أن معظم المدن التي تتناسب مع الدخول المحلية حاليا تقع في الجزء الشمالي من إنجلترا واسكوتلندا وآيرلندا الشمالية، إلا أن السكان المحليين ما زال يتوجب عليهم دفع ما يقرب من 5.11 أمثال متوسط الدخل المحلي.